إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، القائل سبحانه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي امتنّ الله على عباده ببعثته، فقال: لَقَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
فإنَّ الله تعالى أرسل رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالهدى، ودين الحق، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال المبين إلى الهدى التام، الذي به انشراح الصدور، وطمأنينة القلوب؛ فإن ﴿الهدى﴾ هو العلم النافع، و﴿دين الحق﴾ هو العمل الصالح، وعلى هذين الركنين العظيمين تقوم الحياة الطيبة.
وقد ضمَّن الله تعالى كتابه العزيز كافة ما يحتاج إليه العباد في عقائدهم، وعباداتهم، ومعاملاتهم، وأخلاقهم، وجاءت السنة المطهرة تبياناً لما أجمل، وتفسيراً لما أبهم، وتفصيلاً لما عمم؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا إني أوتيت الكتاب، ومثله معه))() رواه أبو داود.
والعقيدة الإسلامية عماد هذا الدين، وقاعدته، وسر قوته، وظهوره على الدين كله؛ لما تتضمنه من الخصائص الفريدة، ومنها: أولاً: التوحيد لله تعالى بالعبادة، وللنبي -صلى الله عليه وسلم- بالاتباع. ثانياً: التوقيف، فهي ربانية المصدر؛ لا يتجاوز فيها القرآن والحديث، ولا تستمد من رأي أو قياس.
ثالثاً: موافقة الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها قبل أن تغتالهم الشياطين.
رابعاً: موافقة العقل الصريح، السالم من الشبهات والشهوات.
خامساً: الشمول: فلا تدع جانباً من جوانب الكون والحياة والإنسان إلا بينته.
سادساً: التشابه: فبعضها يصدق بعضاً، فلا تناقض، ولا تفاوت في مفرداتها.
سابعاً: الوسطية: فهي ميزان الاعتدال بين الإفراط والتفريط بين مختلف المقالات.
وقد أثمرت هذه الخصائص الثمار التالية:
أولاً: تحقيق العبودية لرب العالمين، والتحرر من الرق للمخلوقين.
ثانياً: تحقيق الاتباع لرسول رب العالمين، والانعتاق من البدعة والمبتدعين.
ثالثاً: الراحة النفسية، والطمأنينة القلبية، بالصلة بالخالق المدبر الحكيم.
رابعاً: القناعة الفكرية، والاطراد العقلي، والسلامة من التناقض، والخرافة.
خامساً: تلبية حاجات الروح وحاجات الجسد، والتكامل بين الاعتقاد والسلوك.
ولم يزل علماء الملة يولون العقيدة هَمَّهم، ويبذلون في تعليمها وتقريرها جهدهم، ويصنفون في ذلك المتون المختصرة، والشروح المطولة، تارة في بيان مجمل اعتقاد السلف، وتارة في بيان مسألة معينة، وأخرى في الرد على أهل الأهواء والبدع المضلة. وقد رأيتُ تقريب مسائل الاعتقاد، وترتيبها على نسق الترتيب النبوي لأصول الإيمان الستة، المذكورة في حديث جبريل المشهور، معتمداً على نصوص الوحيين فقط: الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، جاعلاً تحت كل أصل ما يتضمنه من مفردات، مذيلاً إياه ببيان من ضلَّ في ذلك الباب، والرد عليه دون إطناب.
فجاءت هذه العقيدة وسيطة بين الإطالة والاختصار، واتسمت بالوضوح واليسر، ليتمكن آحاد المسلمين من الانتفاع بها، وتحصيل المقصود من الإلمام بمجمل اعتقاد السلف بعبارة سهلة، وترتيب موضوعي، وسميتها: (العقيدة الميسرة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.